السلطات الجزائرية ستنفّذ مخططا أمنيا صارما على طول شهر رمضان المقبل، ويقوم هذا المخطط على التعبئة الشاملة للأجهزة الأمنية ، لصدّ خطر اعتداءات واظبت فرق الموت على ارتكابها في شهر الصيام من كل عام بزعم ممارسة ما يسمونه "جهادا"، وأتى هذا الحراك متزامنا مع رفع الجزائر من درجة تأهبها الأمني مؤخرا ونجاحها قبل يومين في القضاء على عشرة مسلحين بولاية عين الدفلى الغربية.
وينتظر مراقبون أن تشهد مختلف مناطق البلاد سيما الساخنة منها حالة استنفار، خاصة وأنّ رمضان الماضي كان الأكثر دموية رغم تجنيد 18 ألف رجل أمن، حيث أوقعت أعمال العنف خلاله نحو 60 قتيلا، وهي حصيلة مرتفعة لم تشهدها أيا من رمضانات السنوات الماضية، بعدما عرف شهر الصيام منذ اندلاع الفتنة الدموية سنة 1992 إلى غاية العام 1998 معدلات مخيفة تراوحت آنذاك بين 200 إلى 350 قتيل.
وبعدما سرى قلق كبير وسط الشارع المحلي، اعتبارا للأربع تفجيرات الأخيرة التي حصدت 130 ضحية بين قتيل وجريح، تتجه القوى الأمنية إلى اعتماد مخطط جديد خلال شهر الصيام، من خلال زيادة عدد الفرق الخاصة بالوقاية التي ستعنى بتأمين الأسواق والشوارع والساحات العامة على مدار ساعات اليوم، ووسط تكتم بشأن تفاصيل هذا المخطط المستحدث، أفيد أنّ الأخير سيضمن التجديد المستمر لأنظمة الرقابة مع فرض السلطات لأحزمة أمنية، بشكل يحول دون استنساخ المطبات الأخيرة، ويحول دون تدهور الوضع الأمني، وعلى خلفية تهديدات القاعدة بالردّ على كل عملية تطال عناصرها، وغداة الذي حصل قبل أيام على مستوى مثلث الموت "بومرداس-البويرة-تيزي وزو".
وبينما يلّح معلقون على أنّ الأجهزة الأمنية مدعوة لتحصيل معلومات ميدانية تتعلق بنشاط فرق الموت، حتى لا تستنسخ اعتداءاتها المدوّية كتلك التي حصدت 70 قتيلا الشهر الجاري، أقرت أجهزة الأمن مزيد من الصرامة على طول المدن الكبرى، لجعلها بمنأى عن عمليات إرهابية استعراضية يريد تنظيم "قاعدة بلاد المغرب الإسلامي" من ورائها إعطاء انطباع بقدرته على التعفين وزرع البلبلة.
كما يُرتقب أن تشدد السلطات إجراءاتها الأمنية على مستوى 5 مناطق "ساخنة"، من خلال انتشار مكثف العناصر الأمنية بالقرب من المؤسسات الحكومية ومراكز الأمن والسفارات الأجنبية والجامعات، وتدفع "مزاعم" أمير القاعدة "عبد الملك دروكدال" المكنّى "أبو مصعب" عن وجود "طوابير من الانتحاريين" لمضاعفة اليقظة ومنع توقف السيارات أمام مرافق موسومة بالحساسة، والتحري بشأن الشاحنات وسائر المركبات في حال تسجيل تأخرها عن الالتحاق بمقراتها.
وفي أعقاب مذابح 11 أبريل/نيسان و11 ديسمبر/كانون الأول، المدوية، وضعت أجهزة الأمن متاريس لإجبار عموم المركبات على التوقف، وكثفت من دورياتها لمنع أي تسلل لعناصر مشبوهة، بالتزامن مع زيادتها عدد أعوان الشرطة من 15 ألفاً إلى 20 ألفاً، كما قامت مصالح الأمن بالعاصمة بغلق الطرقات المؤدية إلى مقر قصر الرئاسة والسفارات الأجنبية و مقرات الهيئات الحساسة مع منع دخول الشاحنات وسيارات النقل العمومي والسيارات إلى الأحياء التي تستوعب مقار سفارات ووزارات وساكن مسؤولين حكوميين على غرار مناطق بن عكنون، حيدرة، والأبيار، وشوهدت أيضا حواجز مكثفة أمام مقار الشرطة وثكنات الجيش، فضلا عن الحواجز الأمنية المتحركة في مواقع متفرقة على طول شريط منطقة القبائل الكبرى وكذا العاصمة.
وتراهن السلطات من وراء هذه التدابير إلى إحباط تحركات المتمردين وتجنب تكرار هجمات باستخدام سيارات مفخخة أو قنابل متحكّم فيها عن بعد، حتى وإن كان خبراء الشأن الأمني بضرورة تكيّف الأمن الجزائري مع التقنيات الجديدة للمسلحين، وأساليبهم عبر الاعتماد على رقابة الكترونية متخصصة في الكشف عن المتفجرات.
ويجزم متابعون لتطورات الملف الأمني في الجزائر، بتعقّد مكافحة الإرهاب في ظلّ تفادي المتشددين المواجهة المباشرة، وتفضيلهم تنفيذ اعتداءات سريعة ومفاجئة في أوقات صعبة في الليل أو مع خيوط الفجر الأولى، ما يفرض رفع درجات الحيطة والحذر.