بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
قال العلامة الألباني رحمه الله رحمة واسعة في مقدمة كتابه (( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم )) ( مقدمة الكتاب الأولى ) ، صفحة 58 من الطبعة الثانية لدار المعارف تحت عنوان : (( شبهات وجوابها )) ، ذكر عدة شبه مع الجواب عليها وأول هذه الشبه أورد رحمه الله هذه الشبه وهي الاستدلال بمقولة : (( اختلاف أمتي رحمة )) ونسبتها أيضاً للنبي صلى الله عليه وسلم ، حيث قال رحمه الله :
(( 1- قال بعضهم : لا شك أن الرجوع إلى هدي نبينا صلى الله عليه وسلم في شؤون ديننا أمر واجب ، لا سيما فيما كان منها عبادة محضة لا مجال للرأي والاجتهاد فيها ؛ لأنها توقيفية ؛ كالصلاة مثلاً ، ولكننا لا نكاد نسمع أحداً من المشايخ المقلدين يأمر بذلك ، بل نجدهم يُقرِّون الاختلاف ، ويزعمون أنه توسعة على الأمة ، ويحتجون على ذلك بحديث - طالما كرروه في مثل هذه المناسبة رادين به على أنصار السنة - : (( اختلاف أمتي رحمة )) ، فيبدو لنا أن هذا الحديث يخالف المنهج الذي تدعو إليه ، وألفت كتابك هذا وغيره عليه ، فما قولك في هذا الحديث ؟
الجواب من وجهين :
الأول : أن هذا الحديث لا يصح ، بل هو باطل لا أصل له ؛ قال العلامة السبكي : (( لم أقف له على سند صحيح ، ولا ضعيف ، ولا موضوع )) .
قلت : وإنما روي بلفظ : (( ... اختلاف أصحابي لكم رحمة )) .
و (( أصحابي كالنجوم ؛ فبأيهم اقتديتم اهتديتم )) .
وكلاهما لا يصح : الأول واه جدًّا ، والآخر موضوع ، وقد حققت القول في ذلك كله في (( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة )) ( رقم 58 و 59 و 61 ) .
الثاني : أن الحديث مع ضعفه مخالف للقرآن الكريم ، فإن الآيات الواردة فيه - في النهي عن الاختلاف في الدين ، والأمر في الاتفاق فيه - أشهر من أن تذكر ، ولكن لا بأس من أن نسوق بعضها على سبيل المثال ، قال الله تعالى : (( وَلا تَنازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم )) ، وقال : (( وَلا تَكُونوا مِنَ المُشرِكينَ * مِنَ الذينَ فَرَّقوا دينَهُم وَكانوا شِيَعاً كُلُّ حِزبٍ بِما لَديهم فَرِحون )) ، وقال : (( وَلا يَزالُونَ مُختَلِفينَ * إلا مَن رَحِمَ رَبُّكَ )) ، فإذا كان من رحم ربك لا يختلفون ، وإنما يختلف أهل الباطل ؛ فكيف يعقل أن يكون الاختلاف رحمة ؟1
فثبت أن هذا الحديث لا يصح ، لا سنداً ولا متناً ، وحينئذٍ يتبين بوضوح أنه لا يجوز اتخاذه شبهة للتوقف عن العمل بالكتاب والسنة الذي أمر به الأئمة )) . انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
وقد وضع الشيخ رحمه الله حاشية على قوله في الفقرة الأخيرة عند قوله (( فثبت أن هذا الحديث لا يصح ، لا سنداً ولا متناً )) بقوله : (( ومن شاء البسط في ذلك فعليه بالمصدر السابق )) أهـ ، يعني رحمه الله سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة رقم 58 و 59 و 61 .